فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعلبي:

{ذلك بِأَنَّ الله لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا على قَوْمٍ حتى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.
قال الكلبي: يعني أهل مكة، أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف، وبعث إليهم محمدًا (عليه السلام) فغيّروا نعم الله، وتغييرها أن كفروا بها وتركوا شكرها، وقال السدّي: نعمة الله محمد صلى الله عليه وسلم أنعم به على قريش فكذبوه وكفروا به فنقله إلى الأنصار.
{وَأَنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ}
يحتمل خمسة أوجه:
أحدها: لم يك مغيرًا نعمة أنعمها عليهم بالنصر لهم على أعدائهم حتى يغيروا ما بأنفسهم من الثقة به والتوكل عليه.
والثاني: لم يك مغيرًا نعمته عليهم في كف أعدائهم عنهم حتى يغيروا ما بأنفسهم من طاعته والكف عن معصيته.
والثالث: لم يك مغيرًا نعمته عليهم في الغنى والسعة حتى يغيروا ما بأنفسهم. من تأدية حق الله تعالى منه.
والرابع: لم يك مغيرًا نعمته في الثواب والجزاء حتى يغيروا ما بأنفسهم من الإيمان.
والخامس: لم يك مغيرًا نعمته عليهم في الإرشاد حتى يغيروا ما بأنفسهم من الانقياد. اهـ.

.قال ابن عطية:

{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}
{ذلك} في موضع رفع على خبر الابتداء تقديره عند سيبويه الأمر ذلك، ويحتمل أن يكون التقدير وجب ذلك، والباء باء السبب، وقوله: {لم يك مغيرًا} جزم ب {لم} وجزمه بحذف النون، والأصل يكون فإذا دخلت لم جاء لم يكن، ثم قالوا {لم يك مغيرًا} كأنهم قصدوا التخفيف فتوهموا دخول {لم} على يكن فحذفت النون للجزم، وحسن ذلك فيها لمشابهتها حروف اللين التي تحذف للجزم كما قالوا لم أبال، ثم قالوا لم أبل فتوهموا دخول لم على أبال؟ ومعنى هذه الآية الإخبار بأن الله عز وجل إذا أنعم على قوم نعمة فإنه بلطفه ورحمته لا يبدأ بتغيرها وتكديرها حتى يجيء ذلك منهم بأن يغيروا حالهم التي تراد وتحسن منهم، فإذا فعلوا ذلك وتلبسوا بالتكسب للمعاصي أو الكفر الذي يوجب عقابهم غير الله نعمته عليهم بنقمته منهم، ومثال هذا نعمة الله على قريش بمحمد صلى الله عليه وسلم فكفروا ما كان يجب أن يكونوا عليه، فغير الله تلك النعمة بأن نقلها إلى غيرهم من الأنصار وأحل بهم عقوبته.
وقوله: {وأن} عطف على الأولى، و{سميع عليم} أي لكل وبكل ما يقع من الناس في تغيير ما بأنفسهم لا يخفى عليه من ذلك سر ولا جهر. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ذلك بأَنَّ الله}
أي: ذلك الأخذ والعقاب بأن الله: {لم يك مغيرًا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيّروا} بالكفران وترك الشكر.
قال مقاتل: والمراد بالقوم هاهنا أهل مكة، أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، ثم بعث فيهم محمدًا صلى الله عليه وسلم، فلم يعرفوا المنعم عليهم، فغيَّر الله ما بهم.
وقال السدي: كذَّبوا بمحمد، فنقله الله إلى الأنصار.
قال أبو سليمان الخطابي: والقوي يكون بمعنى القادر، فمن قوي على شيء فقد قدر عليه، وقد يكون معناه: التّامُّ القُوَّة الذي لا يستولي عليه العجز في حال، والمخلوق وإن وُصف بالقُوَّة، فقوَّته متناهية، وعن بعض الأمور قاصرة. اهـ.

.قال القرطبي:

{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}
تعليل أي هذا العقاب؛ لأنهم غيروا وبدلّوا، ونعمة الله على قريش الخصب والسَّعة، والأمن والعافية.
{أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ الناس مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنبكوت: 67] الآية.
وقال السدّي: نعمة الله عليهم محمد صلى الله عليه وسلم فكفروا به، فنقل إلى المدينة وحلّ بالمشركين العقاب. اهـ.

.قال الخازن:

{ذلك بأن الله لم يك مغيرًا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}
يعني: أن الله سبحانه وتعالى أنعم على أهل مكة بأن أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف وبعث إليهم محمدًا صلى الله عليه وسلم فقابلوا هذه النعمة بأن تركوا شكرها وكذبوا رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وغيَّروا ما بأنفسهم فسلبهم الله سبحانه وتعالى النعمة وأخذهم بالعقاب قال السدي: نعمة الله هو محمد صلى الله عليه وسلم أنعم به على قريش فكفروا به وكذبوه فنقله الله تعالى إلى الأنصار {وأن الله سميع} يعني لأقوال خلقه لا يخفى عليه شيء من كلامهم {عليم} يعني بما في صدورهم من خير وشر، فيجازي كل واحد على عمله. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ذلك بأنّ الله لم يكُ مغيرًا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيّروا ما بِأنفسهم وأنّ الله سميع عليم}.
{ذلك} مبتدأ وخبره {بأن الله لم يكُ} أي ذلك العذاب أو الانتقام بسبب كذا وظاهر النعمة أنه يُراد به ما يكونون فيه من سعة الحال والرفاهية والعزّة والأمن والخصب وكثرة الأولاد والتغيير قد يكون بإزالة الذات وقد يكون بإزالة الصفات فقد تكون النعمة أذهبت رأسًا وقد تكون قلّلت وأضعفت، وقال القاضي أنعم الله عليهم بالعقل والقدرة وإزالة الموانع وتسهيل السبيل والمقصود أنْ يشتغلوا بالعبادة والشكر ويعدلوا عن الكفر فإذا صرفوا هذه الأمور إلى الكفر والفسق فقد غيّروا أنعم الله على أنفسهم فلا جرم استحقوا تبديل النعم بالنقم والمنح بالمحن وهذا من أوكد ما يدلّ على أنه تعالى لا يبتدئ أحدًا بالعذاب والمضرّة وأنّ الذي يفعله لا يكون إلا جزاءً على معاص سلفت ولو كان تعالى خلقهم وخلق حياتهم وعقولهم ابتداءً للنار كما يقوله القوم لما صحّ ذلك انتهى.
قيل: وظاهر الآية يدلّ على ما قاله القاضي إلا أنه يمكن الحمل على الظاهر لأنه يلزم من ذلك أن يكون صفة الله معلّلة بفعل الإنسان ومتأثرة له وذلك محال في بديهة العقل وقد قام الدليل على أنّ حكمه وقضاءه سابق أوّلًا فلا يمكن أن يكون فعل إلا بقضائه وإرادته.
وقيل أشار بالنعمة إلى محمد صلى الله عليه وسلم بعثه رحمة فكذّبوه فبدّل الله ما كانوا فيه من النعمة بالنقمة في الدنيا وبالعقاب في الآخرة قاله السدّي والظاهر من قوله: {على قوم} العموم في كل من أنعم الله عليه من مسلم وكافر وبرّ وفاجر وأنه تعالى متى أنعم على أحد فلم يشكر بدّله عنها بالنقمة، وقيل القوم هنا قريش أنعم الله تعالى عليهم ليشكروا ويفردوه بالعبادة فجحدوا وأشركوا في ألوهيته وبعث إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم فكذّبوه فلما غيروا ما اقتضته نعمة وحدّثتهم أنفسهم بأنّ تلك النِّعم من قبل أوثانهم وأصنامهم غير تعالى عليهم بنقمة في الدنيا وأعدّ لهم العذاب في العقبى، وقال ابن عطية: ومثال هذا نعمة الله على قريش بمحمد صلى الله عليه وسلم فكفروا وغيّروا ما كان يجب أن يكونوا عليه فغير الله تلك النعمة بأن نقلها إلى غيرهم من الأنصار وأحلّ بهم عقوبته انتهى.
وتغيير آل فرعون ومشركي مكة ومن يجري مجراهم بأن كانوا كفارًا ولم تكن لهم حالة مرضية فغيّروا تلك الحالة المسخوطة إلى أسخط منها من تكذيب الرّسل والمعاندة والتخريب وقتل الأنبياء والسعي في إبطال آيات الله فغير الله تعالى ما كان أنعم عليهم به وعاجلهم ولم يمهلهم وفي قول الزمخشري ذلك العذاب أو الانتقام بسبب أن الله تعالى لم ينبغ له ولم يصحّ في حكمته أن يغير نعمه عند قوم حتى يغيّروا ما بهم من الحال دسيسة الاعتزال {وأن الله سميع} لأقوال مكذّبي الرسول، {عليم} بأفعالهم فهو مجازيهم على ذلك. اهـ.

.قال أبو السعود:

{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}
وقوله تعالى: {ذلك} إلخ استئنافٌ مَسوقٌ لتعليل ما يفيده النظمُ الكريمُ من كون ما حل بهم من العذاب منوطًا بأعمالهم السيئةِ غيرَ واقعٍ بلا سابقةِ ما يقتضيه وهو المشارُ إليه لا نفسُ ما حل بهم من العذاب والانتقام كما قيل، فإنه مع كونه معللًا بما ذُكر من كفرهم وذنوبِهم لا يتصور تعليلُه بجريان عادتِه تعالى على عدم تغييرِ نعمتِه على قوم قبل تغييرِهم لحالهم وتوهُّمِ أن السببَ ليس ما ذكر كما هو منطوقُ النظم الكريم بل ما يستفاد من مفهوم الغايةِ من جريان عادتِه تعالى على تغيير نعمتِهم عند تغييرِ حالِهم بناءً على تخيل أن المعلِّلَ ترتبَ عقابِهم على كفرهم من غير تخلُّف عنه ركوبٌ شططٌ هائل وإبعادٌ عن الحق بمراحلَ، وتهوينٌ لأمر الكفر بآيات الله وإسقاطٌ له عن رتبة إيجابِ العقاب في مقام تهويله والتحذيرِ منه، فالمعنى ذلك أي ترتبُ العقاب على أعمالهم السيئة دون أن يقع ابتداءً مع قدرته تعالى على ذلك {بِأَنَّ الله} أي بسبب أنه تعالى: {لَمْ يَكُ} في حد ذاتِه {مُغَيّرًا نّعْمَةً أَنْعَمَهَا} أي لم ينْبغِ له سبحانه ولم يصِحَّ في حكمته أن يكون بحيث يغير نعمةً أنعم بها {على قَوْمٍ} من الأقوام أيَّ نعمةٍ كانت جلّت أو هانت {حتى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ} من الأعمال والأحوال التي كانوا عليها وقت ملابستِهم بالنعمة ويتصفوا بما ينافيها سواءٌ كانت أحوالُهم السابقةُ مرضيةً صالحة أو قريبةً من الصلاحِ بالنسبة إلى الحادثة كدأب هؤلاءِ الكفرةِ حيث كانوا قبل البعثةِ كفَرةً عبدةَ أصنامٍ مستمرِّين على حالة مصحِّحة لإفاضة نعمةِ الإمهال وسائر النعمِ الدنيوية عليهم فلما بُعث إليهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالبينات غيّروها إلى أسوأَ منها وأسخطَ حيث كذبوه عليه الصلاة والسلام وعادوه ومن تبِعه من المؤمنين وتحزّبوا عليهم يبغونهم الغوائلَ فغيّر الله تعالى ما أنعم به عليهم من نعمة الإمهالِ وعاجلَهم بالعذاب والنَّكال، وأصلُ يكُ يكن فحذُفت النونُ تخفيفًا لشبهها بالحروف اللينة {وَأَنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ} عطفٌ على أن الله إلخ داخلٌ معه في حيز التعليل أي وبسبب أنه تعالى سميع عليم يسمع ويعلم جميعَ ما يأتون وما يذرون من الأقوال والأفعالِ السابقةِ واللاحقة فيرتب على كل منها ما يليق بها من إبقاء النعمةِ وتغييرِها، وقرئ وإن الله بكسر الهمزةِ فالجملةُ حينئذٍ استئنافٌ مقرر لمضمون ما قبلها. اهـ.

.قال الألوسي:

{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}
{ذلك} اشارة إلى ما يفيده النظم الكريم من كون ما حل بهم من العذاب منوطًا بأعمالهم السيئة غير واقع بلا سابقة ما يقتضية، وهو مبتدأ خبره قوله سبحانه: {بِأَنَّ الله} إلى آخره، والباء للسببية، والجملة مسوقة لتعليل ما أشير إليه أي ذلك كائن بسبب أن الله سبحانه: {لَمْ يَكُ مُغَيّرًا نّعْمَةً أَنْعَمَهَا} أي لم ينبغ له سبحانه ولم يصح في حكمته أن يكون بحيث يغير نعمة أي نعمة كانت جلت أو هانت أنعم بها {على قَوْمٍ} من الأقوام {حتى يُغَيّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ} أي ذواتهم من الأعمال والأحوال التي كانوا عليها وقت ملابستهم للنعمة ويتصفوا بما ينافيها سواء كانت أحوالهم السابقة مرضية صالحة أو أهون من الحالة الحادثة كدأب كفرة قريش المذكورين حيث كانوا قبل البعثة كفرة عبدة أصنام مستمرين على حال مصححة لافاضة نعم الامهال وسائر النعم الدنيوية عليهم كصلة الرحم والكف عن تعرض الآيات والرسل عليهم السلام فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم غيروها على أسوء حال منها وأسخط حيث كذبوه عليه الصلاة والسلام وعادوه ومن تبعه من المؤمنين وتحزبوا عليهم وقطعوا أرحامهم فغير الله تعالى ما أنعم به عليهم من نعمة الامهال ووجه إليهم نبال العقاب والنكال، وقيل: إنهم لما كانوا متمكنين من الايمان ثم لم يؤمنوا كان ذلك كأنه حاصل لهم فغيروه كما قيل في قوله تعالى: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} [البقرة: 16] ولا يخلو عن حسن.
وجعل بعضهم الإشارة إلى ما حل بهم ثم أنه لما رأى أن انتفاء تغيير الله تعالى حتى يغيروا لا يقتضي تحقق تغييره إذا غيروا وأن العدم ليس سببًا للوجود هنا وأيضًا عدم التغيير صارف عما حل بهم لا موجب له بحسب الظاهر قال: إن السبب ليس منطوق الآية بل مفهومها، وهو جرى عادته سبحانه على التغيير حين غيروا حالهم فالسبب ليس انتفاء التغيير بل التغيير، قيل: وإنما أوثر التعبير بذلك لأن الأصل عدم التغيير من الله تعالى لسبق إنعامه ورحمته ولأن الأصل فيهم الفطرة وأما جعله عادة جارية فبيان لما استقر عليه الحال من ذلك لا أن كونه عادة له دخل في السببية، ولا يخفى أن ما ذكرناه أسلم من القيل والقال على أن ما فعله البعض لا يخلو بعد عن مقال فتدبر، وأصل {يَكُ} يكن فحذفت النون تخفيفًا لشبهها بأحرف العلة في أنها من الزوائد وهي تحذف من أحرف المجزوم فلذا حذفت هذه وهو مختص بهذا الفعل لكثرة استعماله {وَأَنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ} عطف على {إِنَّ الله} إلخ داخل معه في حيز التعليل، أي وسبب أنه تعالى سميع عليم يسمع ويعلم جميع ما يأتون ويذرون من الأقوال والأفعال السابقة واللاحقة فيرتب على كل منها ما يليق من إبقاء النعمة وتغييرها.
وقرئ {وَأَنَّ الله} بكسر الهمزة فالجملة حينئذ استئناف مقرر لمضمون ما قبله. اهـ.